- الباب الفقهي
- العبادات / الدعاء والاذكار
- المفتي
- الشيخ الدكتور عبد الستار عبد الجبار
- عنوان الفتوى
- الدعاء المستجاب
- السؤال
- منذ عشر سنوات أدعو الله أن يرزقني زوجًا صالحًا، لكن لم يستجب لي؛ لماذا؟
- الجواب
-
من قال أنكِ لم تتلقِ استجابة؟ فالاستجابة من الله الرحيم للعبد الضعيف تكون بما يحدده الله ، وبما يراه من مصلحة عبده. وقد ورد أَنَّ النبي قال: ما من مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ ليس فيها أثم وَلاَ قَطِيعَةُ رَحِمٍ إلا أَعْطَاهُ الله بها إِحْدَى ثَلاَثٍ: أما أَنْ تُعَجَّلَ له دَعْوَتُهُ؛ وإما أَنْ يَدَّخِرَهَا له في الآخِرَةِ؛ وإما أَنْ يَصْرِفَ عنه مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا، قالوا إِذاً نُكْثِرُ! قال: الله أَكْثَرُ*. فهذه هي الاستجابة الحقة، ولا توجد دعوة لعبد صالح تُرَدُّ، أو تذهبُ هباءً.
وقولهم للنبي إِذاً نُكْثِرُ ،أي: من الدعاء، وقوله الله أَكْثَرُ ، أي: في الإجابة والعطاء، فلا تستبطئي ولا تستحسري وتقطعي الدعاء، واستجيبي لربك وسيستجيب لك.
فالتوجه لله بالدعاء توفيق منه والاستجابة فضل. وعلينا أن ننشغل بهَمِّ التوفيق أولاً، ليوهَب لنا فضل الاستجابة. وكما كان عمر -رضي الله عنه- يقول: "أنا لا أحمل همّ الإجابة إنما أحمل همّ الدعاء. فإذا ألهمتُ الدعاء كانت الإجابةُ معه".
وهذا يعني: أننا يجب أن نحمل همَّ الدعاء وحالَنا عنده لا همَّ الإجابة.
ثم أذكر السائلة بأمرين:
أحدهما: في الدعاء، وهو أسباب إجابة الدعاء التي ذُكرت في النصوص؛ والتي ينبغي أن يتحراها كل داعٍ، وأهمها:
1. يوم عرفة: فقد ورد أَنَّ النبي قال: خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ ما قلت أنا وَالنَّبِيُّونَ من قَبْلِي لا إِلَهَ إلا الله وَحْدَهُ لا شَرِيكَ له، له الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وهو على كل شَيْءٍ قَدِيرٌ**. في الحديث دليل على أن دعاء يوم عرفة أفضل من غيره، وعلى فضل يوم عرفة على غيره.
ولمكانة الدعاء في هذا اليوم؛ ورد عن سالم بن عبد الله بن عمر أنه رأى سائلا يسأل الناس يوم عرفة، فقال: (يا عاجز! في هذا اليوم يُسأل غير الله ؟) .
2. ساعة الجمعة: وورد فيها قولهفي الْجُمُعَةِ سَاعَةٌ لا يُوَافِقُهَا مُسْلِمٌ قَائِمٌ يُصَلِّي*** يسأل اللَّهَ خَيْرًا إلا أَعْطَاهُ. وقال بيده وَوَضَعَ أُنْمُلَتَهُ على بَطْنِ الْوُسْطَى وَالْخِنْصِرِ قُلْنَا يُزَهِّدُهَا****. وقوله: "لا يوافقها" أي: يصادفها ويقع الدعاء فيها اتفاقاً، وهو أعم من أن يقصدها.
وفي تعيين هذه الساعة أقوال كثيرة وتفاصيل، وأصح الأحاديث فيها: حديث أبي موسى، أنه سمع رَسُولَ اللَّهِ يقول: هِيَ ما بين أَنْ يَجْلِسَ الإِمَامُ إلى أَنْ تُقْضَى الصَّلاةُ*****.
3. دعوة الصائم: لقوله ثَلاَثَةٌ لاَ يُرَدُّ دُعَاؤُهُمُ الإِمَامُ الْعَادِلُ، وَالصَّائِمُ حتى يُفْطِرَ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ؛ يَرْفَعُهَا الله فَوْقَ الْغَمَامِ يوم الْقِيَامَةِ وَيَفْتَحُ لها أَبْوَابَ السَّمَاءِ وَيَقُولُ الرَّبُّ بعزتي لأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ******. والنص يشير إلى أن دعوة الصائم مستجابة خلال يوم صومه كله إلى أن يفطر؛ لأن "حتى" لانتهاء الغاية؛ فيكون المعنى: أنَّ الصائم لا ترد دعوته من إمساكه وبدء صومه؛ إلى أن يفطر. وعن عَبْدَ اللَّهِ بن عَمْرِو بن الْعَاصِ يقول وقوله إِنَّ لِلصَّائِمِ عِنْدَ فِطْرِهِ لَدَعْوَةً ما تُرَدُّ *******. وظاهر النص يشير إلى أن هذه الدعوة للصائم فرضاً أو نفلاً. ومع دعوة الصائم دعوة الإمام العادل؛ وهو في هذا الزمن أندر من الكبريت الأحمر، ودعوة المظلومين من ضحايا الظالمين وهم كثر اليوم.
4. الوقت بين الأذان والإقامة: قالالدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد********.
5. وقت السحر: من ساعات الليل؛ قال تعالى: وبِالأسْحارِ هُمْ يَسْتغفرُونَ .وقال ينزل الله تعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير فيقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له*********، وقيل: إن يعقوب إنما قال: سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ليدعو في وقت السحر. فقيل إنه قام في وقت السحر يدعو وأولاده يؤمنون خلفه، فأوحى الله إني قد غفرت لهم.
6. حال السجود: وهو أجدر بالإجابة؛ قال النبي أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا فيه من الدعاء**********.
7. عند لقاء العدو: قال رسول اللَّهِ اثنتان لا تُرَدَّانِ أو قَلَّمَا تُرَدَّانِ الدُّعَاءُ عِنْدَ النِّدَاءِ وَعِنْدَ الْبَأْسِ حين يُلْحِمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا***********. وفي رواية لأبي داود أيضاً وَوَقْتُ الْمَطَرِ بدل عند البأس.
والأمر الآخر الذي ينبغي الانتباه له في الاستجابة هو استجابتنا له التي يجب أن تسبق استجابته لنا؛ فنحن ندعو ونطلب استجابته لنا قبل أن نحقق الاستجابة المطلوبة منا له في قوله: فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ . فعلينا أن نطيعه أولاً، ونؤمن بربوبيته وإلوهيته ثانياً، ثم نرجو الإجابة. ولهذا قيل: إجابة الدعاء تكون عن صحة الاعتقاد، وكمال الطاعة.
فقد لا يستجاب لنا لوجود موانع الإجابة في دعائنا، كما جاء عن النبي أنه قال: لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل، قيل: يا رسول الله ما الاستعجال؟ قال: يقول قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجيب لي فيستحسر (يقطع عن الدعاء ويمله) عند ذلك ويدع الدعاء************.
لأن ذلك من باب القنوط وضعف اليقين والسخط، فالنص يشير إلى موانع الإجابة، وهي:
1. الاعتداء مانع من الإجابة، قال تعالى: ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ************. والمعتدي: هو المجاوزة للحد، ومرتكب المحظور؛ وقد يتفاضل بحسب ما اعتدى. وسمع سعد بن أبي وقاص ابناً له يدعو يقول : اللهم إني أسألك الجنة ونعيمها وإستبرقها ونحواً من هذا؛ وأعوذ بك من النار وسلاسلها وأغلالها. فقال: لقد سألت الله خيراً كثيراً، وتعوذت به من شر كثير، وإني سمعت رسول الله يقول إنه سيكون قوم يعتدون في الدعاء، وقرأ هذه الآية: ادْعُوا ربَّكم تَضرُعاً ، وإنَّ بحسبك أن تقول : اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل رواه أحمد وأبو داود.
وللاعتداء في الدعاء وجوه منها:
أ- الجهر الكثير والصياح، كما قال رسول الله لقوم وقد رفعوا أصواتهم بالتكبير: (أيها الناس أربعوا على أنفسكم إنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائباً) متفق عليه من حديث أبي موسى.
ب- أن يدعو الإنسان في أمرٍ مُحال، كأن يطلب منزلة نبي.
ج- أن يدعو طالباً معصية، كأن يدعو بإثم أو قطيعة رحم؛ كما ورد في الحديث.
2. والاستعجال مانع أيضًا؛ لقوله (ما لم يستعجل) ، وهو الانقطاع عن الدعاء بسبب اليأس من الإجابة؛ كما فسره الحديث.
3. وأكل الحرام، وما كان في معناه من الموانع، قال (الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك؟) . وهذا استفهام على جهة الاستبعاد من قبول دعاء من هذه صفته. وقال بعض السلف: لا تستبطئ الإجابة وقد سددت طرقها بالمعاصي.
* مسند أحمد بن حنبل ، حديث رقم 11149 عن أبي سَعِيدٍ.
** أخرجه الترمذي 5/572 ، بَاب في دُعَاءِ يَوْمِ عَرَفَةَ، حديث رقم 3585 وقال هذا حَدِيثٌ حسن غَرِيبٌ من هذا الْوَجْهِ. وموطأ مالك عن طلحة بن عبيد الله بن كريز مرسلا، ورواه البيهقي عن أبي هريرة.
*** قوله (قائم يصلي) يفيد القيام المعروف في الصلاة باعتبار أن القيام هو أشهر أركان الصلاة، والوقت بعد العصر إلى المغرب ليس وقت صلاة؛ بل تكره فيه الصلاة.
**** أخرجه البخاري 5/2029 بَاب الإشارة في الطَّلاقِ برقم 4988. وهناك روايات أخرى في هذه الساعة للتعرف عليها راجع: الهيثمي، مجمع الزوائد 2/166.
***** مسند أحمد بن حنبل 2/445 عن أبي هُرَيْرَةَ، وسنن ابن ماجه 1/557.
****** أخرجه ابن ماجه 1/557 عن عَبْدَ اللَّهِ بن عَمْرِو بن الْعَاصِ.
******* أخرجه أبو داود والنسائي في اليوم والليلة والترمذي وحسنه من حديث أنس وابن حبان والحاكم وصححه.
******** متفق عليه من حديث أبي هريرة.
********* رواه مسلم 1/521، باب الترغيب في الدعاءوالذكر آخر الليل والاجابة فيه، برقم 168 .
********** أخرجه أبو داود 3/21، بَاب الدُّعَاءِ عِنْدَ اللِّقَاءِ، برقم 2540.
***********رواه مسلم، حديث رقم 2735 عن أبي هريرة .
************سورة الأعراف،الآية55
- الموضوع الفقهي
- الدعاء المستجاب
- عدد القراء
- 200