- الباب الفقهي
- العبادات / الصيام
- المفتي
- الشيخ الدكتور عبد الستار عبد الجبار
- عنوان الفتوى
- حكم صيام التطوع قبل قضاء الفرض
- السؤال
- هل يجوز ان اصوم تطوعا ستا من شوال قبل قضاء ما فات مني بعذر شرعي من الصوم في رمضان ؟ افتونا مأجورين
- الجواب
-
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فقد ذهب جمهور العلماء الى : استحباب صيام ست من شوال بعد رمضان. وفيها فضل عظيم، وأجر كبير. وأن من صامها ايمانا واحتسابا يكتب له أجر صيام سنة كاملة، كما في حديث أبي أيوب رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: (( من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر)). رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.
وقد اختلف العلماء في جواز صيام التطوع بست من شوال، او غيرها قبل الفراغ من قضاء رمضان على قولين:
- القول الأول: جواز التطوع بالصوم قبل قضاء رمضان. وهو قول: جمهور العلماء.
فقال الحنفية: بجواز التطوع بالصوم قبل قضاء رمضان بلا كراهة. وهو رواية عن الامام أحمد.
قال الامام المرداوي في الإنصاف: (وهو الصواب)، وهو ترجيح الامام ابن قدامة في المغني من الحنابلة حيث قال:(لأنها عبادة تتعلق بوقت موسع، فجاز التطوع في وقتها قبل فعلها، كالصلاة يتطوع في أول وقتها) .
وأما المالكية، والشافعية، فقالوا: بالجواز مع الكراهة، لما يترتب على الاشتغال بالتطوع عن القضاء من تأخير الواجب .
قال الامام أبو المعالي برهان الدين الحنفي في المحيط البرهاني في الفقه النعماني [2/392]: ( قال أصحابنا رحمهم الله: لا يكره لمن عليه قضاء رمضان أن يتطوع بالصوم؛ لأن الوجوب ليس على الفور، قد قال أصحابنا: إذا أخر قضاء رمضان حتى دخل رمضان آخر، فلا فدية عليه). وقال الامام الكاساني في بدائع الصنائع [2/104] : (قال أصحابنا: إنه لا يكره لمن عليه قضاء رمضان أن يتطوع ).
واحتجوا للجواز: بقوله تعالى: ﴿فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ﴾ [سورة البقرة، الآية:185]. فالآية دلت على أن القضاء على التراخي، فيجوز التطوع قبل القضاء. ولقول عائشة - رضى الله عنها -: (كَانَ يَكُونُ عَلَىَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إِلاَّ فِى شَعْبَانَ الشُّغُلُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَوْ بِرَسُولِ اللَّهِ - ﷺ)متفق عليه. وقد اقرّها النبي ﷺعلى فعلها، وحسب القاعدة الفقهية :( السكوت في معرض الحاجة بيان) اي: بيان للجواز . ولأن من أفطر أياماً من رمضان لعذر يصدق عليه أنه صام رمضان، فإذا صام الست من شوال قبل القضاء حصل ما رتّبه النبي ﷺ من الأجر على إتباع صيام رمضان ستاً من شوال. وكذلك قد وسع الله في القضاء، وأمامه اكثر من عشرة أشهر للقضاء، وصيام الست من شوال مقيدة بالشهر قد يفوت فيفوت فضل صيامها . ولأن قوله ﷺ: ((مَنْ صَامَ رَمَضَانَ )) خرج مخرج الغالب، أو يقال إن قوله: (( مَنْ صَامَ رَمَضَانَ )) يشمل صيام رمضان بعينه، وصيام القضاء. ولذا لو صام من رمضان وأفطر بعضه ثم قضاه في شوال صح فعله مع أنه ما صام رمضان في وقت رمضان، ولكنه قضاه. فدل على أن كلمة: ((صَامَ رَمَضَانَ)) تشمل من صامه في وقته، ومن قضاه بعد ذلك، وكان فطره لعذر شرعي كالسفر والمرض ونحوهما. وكذلك لو أخذ قوله ﷺ: (( مَنْ صَامَ رَمَضَانَ )) على ظاهره لم يدخل في هذه الفضيلة الكثير من النساء؛ لأن المرأة يأتيها العذر أثناء رمضان فيكون عليها قضاء. وقد نقل البجيرمي في حاشيته على الخطيب بعد ذكر القول بأن الثواب لا يحصل لمن قدم الست على القضاء محتجاً بقول النبي ﷺ ثم أتبعه ستاً من شوال عن بعض أهل العلم الجواب التالي: (قد يقال التبعية تشمل التقديرية لأنه إذا صام رمضان بعدها وقع عما قبلها تقديراً، أو التبعية تشمل المتأخرة كما في نفل الفرائض التابع لها، فيسن صومها وإن أفطر رمضان).
القول الثاني: لا يجوز التطوع بالصوم قبل قضاء رمضان. وهو المذهب عند الحنابلة؛ لأن فضيلة صيام الست من شوال لا تحصل إلا لمن قضى ما عليه من أيام رمضان التي أفطرها لعذر.
قال الامام ابن مفلح في كتابه الفروع: (يتوجه تحصيل فضيلتها لمن صامها وقضى رمضان وقد أفطره لعذر، ولعله مراد الأصحاب، وما ظاهره خلافه خرج على الغالب المعتاد، والله أعلم) ؛ ولأن صوم الواجب متعلق بذمته ولو مات قبل فعله مع تساهله فيه، فإنه يؤاخذ بذلك بخلاف النفل، ولكون الأجر المترتب على أداء الواجب أعظم من الأجر المترتب على أداء النفل . ويجاب عنه: وقولهم هذا فيه نظر؛ لأنه اذا نوى القضاء وعزم على ذلك، وأخرّه لأجل صيام التطوع فلا إثم عليه، بل له الأجر والثواب؛ لأنه عمل بالسّنة، وامتثل لقول النبيّ عليه الصلاة والسلام.
المفتى به: هو ما ذهب اليه أكثر أهل العلم في القول الأول، من جواز صيام ست من شوال قبل قضاء ما أفطر عذرا من رمضان بلا كراهة؛ لأن القضاء موسع يجوز فيه التراخي. وصيام الست من شوال مضيّق قد يفوت فيفوت فضله، فلا يدرك إن فات. والقول بعدم الجواز وعدم الصحة يحتاج إلى دليل، وليس هناك ما يعتمد عليه في ذلك، مع أن الأفضل للمسلم وخروجاً من الخلاف أن يقدم القضاء، لما فيه من المسارعة في الخير والمبادرة بإبراء الذمة . والله تعالى أعلم
- الموضوع الفقهي
- أحكام الصيام
- عدد القراء
- 178