رخصة الفطر للمريض والمسافر معلومة بقوله تعالى "فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ" البقرة184 فإذا شفي المريض وأقام المسافر وجب عليهما القضاء؛ وإن ماتا على حَالِهِمَا فلَا قَضَاءَ عليهما لِأَنَّهُمَا لم يُدْرِكَا العِدَّةَ من أَيَّامٍ أُخَرَ؛ ولما كان التأخير لعذر فأَنْ يُعْذَرَا في قَضَاءِه أَوْلَى لِأَنَّ وُجُوبَ الْقَضَاءِ متفَرْعٌ عن وُجُوبِ الْأَدَاءِ. وإِنْ لم يَقْضِيا ما فاتهما لغير عذر حتى مَاتَا؛ أي أنهما عاشا بعد زوال العذر بقدر مدة فطرهما؛ فلا صوم على وليهما؛ وعند أبي حنيفة ومالك: لَزِمَهُما الْإِيصَاءُ بِالإطعام وإلا فلا شيء على الولي. وَمذهب الشافعي وأحمد: لزم الإطعام عنه لكل يوم مسكينًا من رأس ماله أوصى بذلك أم لم يوصِ، ولا يصوم أحدٌ عن أحدٍ لأن الصوم عبادةٌ بدنيةٌ لا تقبل النيابة؛ ويطعم عنه وليه.. وتأولوا حديث "من مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عنه وَلِيُّهُ"* أنَّ المراد أطعم عنه؛ أو هو في غير صوم رمضان، وفرقوا بينه وبين الحج بأنَّ الحج تدخله النيابة في الحياة ولا تدخل الصوم النيابة في الحياة بلا خلاف.

*رواه البخاري 2/690، بَاب من مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ، حديث رقم 1851.

وفي قول لأحمد وبعض الشافعية: يصوم عنه وليه؛ لقوله "صَامَ عنه وَلِيُّهُ" وفي حديث آخر أنه جاء رَجُلٌ إلى النبي فقال "يا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ أَفَأَقْضِيهِ عنها؟ قال: نعم.. فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى"* وفي رواية: قالت امْرَأَةٌ لِلنَّبِيِّ "إِنَّ أُخْتِي مَاتَتْ" وفي رواية ثالثة: قالت امْرَأَةٌ لِلنَّبِيِّ "إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ" وكلها في البخاري. ولكن هذا القول يوقعنا في إشكال وهو تكليف ورثة الميت بالصوم عن ميتهم؛ وهذا يتعارض مع فردية التبعة في قوله تعالى "أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى" النجم38.

فكيف نحمل الحي وزر تقصير الميت؟ لذا لجأ العلماء إلى تأويل هذا النص بتأويلات شتى. والشابة المريضة؛ إن كانت ماتت قبل البُرء من المرض فلا شيء عليها؛ وإن عاشت بعد البرء مدة ما أفطرت من الشهر ولم يكن لها مال توصي به لإطعام الفدية فهي معذورة ولو دفع أولياؤها الفدية فلا بأس بذلك ولا صوم على أحد.

* رواه البخاري 2/690، بَاب من مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ، حديث رقم 1852