- الباب الفقهي
- فتاوى أخرى
- المفتي
- الشيخ الدكتور أحمد حسن الطه
- عنوان الفتوى
- التجارب السريرية على الانسان
- السؤال
- ما حكم إجراء التجارب السريرية على الانسان لاختبار صلاحية لقاح كورونا؟
- الجواب
-
إن اجراء التجارب السريرية على الانسان من المسائل المستجدة، ولذا كانت محل بحث لدى الفقهاء والباحثين المعاصرين، والمقصود بالتجارب السريرية: هي تجارب تُجرى في الأبحاث الطبية، وقد صُممت هذه البحوث والدراسات الطبية أو السلوكية الاستبقائية من أجل الإجابة على أسئلة معينة حول التدخلات الطبية أو السلوكية، بما في ذلك علاجات جديدة (مثل اللقاحات الجديدة، والأدوية، والخيارات الغذائية، والمكملات الغذائية، والأجهزة الطبية) والتدخلات المعروفة التي تستدعي مزيدًا من الدراسة والمقارنة، وإجراء تجارب عن صلاحية لقاح فايروس كورونا المستجد يندرج تحت هذه التجارب السريرية.
وقد ذهب اكثر الفقهاء المعاصرين الى جواز إجراء مثل هذه التجارب مع التأكيد على مراعاة الضوابط الشرعية المتعلقة بإجراء هذه التجارب، وكذلك مراعاة المواثيق العلمية التي أصدرتها الجمعيات الطبية العالمية لأجل ضبط هذه التجارب، وهذا يتوافق مع الفقه التكاملي الذي يراعي آراء المتخصصين في موضوع الفتوى ومنها:
1- أن تكون نتائج التجارب مقصودة لتحقيق ضرورة حفظ النفس من العدم وليس لأجل مصلحة حاجية أو تحسينية.
2- أن يتحقق بها نفع عام كأن يكون العلاج أو اللقاح المراد تجريبه يؤدي الى انقاذ انفس بشرية من الهلاك المتحقق نتيجة الأوبئة وليس لغرض تجاري أو علمي بحت، جاء في ميثاق (هيلسينكي) لتنظيم كيفية إجراء التجارب الطبية والدوائية على الإنسان: لا يسمح بالشروع في الأبحاث الطبية على الإنسان إلا إذا كانت أهمية الغاية متناسبة مع المخاطر التي يُحتمل أن تلحق بالخاضعين لها.
3- أن لا يكون في هذه التجارب ضرر على الإنسان، أو فيها ضرر يُحْتَمَل بحيث لا يُشَكِّل خَطَرًا على حياة الإنسان أو على عضو من أعضائه؛ وذلك كالتجارب التي يتم اختبارها مُسَبَّقًا على غير الإنسان، وعُلِم أنَّه لا ضرر فيها إذا ما أجريت على الإنسان، مع أخذ كل التدابير لمنع الخطر في إجرائها عليه، والتوقف عنها عند ارتفاع درجة الخطورة عما هو متوقع، جاء في ميثاق (هيلسينكي): يجب أن تخضع الأبحاث الطبية التي تُجرى على الإنسان إلى المبادئ العلمية المتعارف عليها، وألاّ يُشرع فيها إلاّ بعد اختبارها في المعمل وعلى حيوانات التجارب، وبعد الإلمام التام بنتائج الأبحاث المماثلة من خلال الاطلاع على المنشورات العلميّة السابقة، وعند إجراء الأبحاث الطبية يجب ألاّ يُفرّط في المصلحة الصحيّة للفرد مهما كانت الفائدة العلمية المرجوة أو المصلحة التي تعود على المجتمع.
4- عدم إكراه الانسان على اخضاعه لهذه التجربة أو استغلال وضعه أو حاجته، ولا بد من استحصال موافقته أو موافقة وليه إن كان لا يتمتع بأهلية تامة، جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي بشأن الضوابط الشرعية للبحوث الطبية البيولوجية على الإنسان: يلزم احترام استقلالية الشخص الكامل الأهلية المتطوع لإجراء البحوث الطبية وتمكينه من الاختيار الشخصي، واتخاذ القرار المناسب له برضاه التام وإرادته الحرة دون شائبة إكراه أو خديعة أو استغلال، لما هو مقرر شرعاً: من أن ” حق الآدمي لا يجوز لغيره التصرف فيه بغير إذنه “.
5- أن يتولى إجراء هذه التجارب فريق من المؤهلين علميا ويتمتعون بالكفاءة والاتقان المهني، وأن يكونوا ثقات في تعاملهم مع من يجرون عليهم تجاربهم، وأن تكون هذه التجارب تحت إشراف علماء متخصصين في مجالهم، وأن لا يكون هنالك تساهل أو تهاون في هذا الأمر بقصد التعجل أو الاثارة العلمية أو الكسب التجاري، جاء في ميثاق هيلسينكي: عدم البدء في البحث إلاّ بعد أن تعتمد مشروعه لجنة علمية خاصة محايدة يكون من صلاحياتها تقديم المشورة والنصح، والرفض أو الموافقة.
6- أن تتكفل الحكومة أو الجهات المعنية بهذه التجارب بتحمل المسؤولية الطبية في ضمان الضرر الذي قد يلحق بمن تجرى عليه التجارب. والأدلة على هذا الجواز وضوابطه ما يأتي: - من أصول الشريعة التداوي من الأمراض وطلب العلاج والبحث عن الدواء المناسب، قال رسول الله ﷺ: «تَدَاوَوْا عِبَادَ اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يُنْزِلْ دَاءً إِلَّا وَقَدْ أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً، إِلَّا الْهَرَمَ»*، وهذه التجارب تتماشى مع هذا الأصل ونتائجها تخدم الإنسانية. - جاء في الشرع إقرار تغيير العلاج بعد تجريبه للوصول الى أفضل علاج أو دواء يدفع الضرر، عن عَرْفَجَةَ بْنَ أَسْعَدَ، أنه قُطِعَ أَنْفُهُ يَوْمَ الْكُلَابِ (من أيام الجاهلية)، فَاتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ وَرِقٍ (فضة)، فَأَنْتَنَ عَلَيْهِ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ ﷺ، فَاتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ ذَهَبٍ»*.
- من القواعد الكلية التي تحقق مقاصد الشريعة (الضرر يزال)، لقوله عليه الصلاة والسلام : لا ضرر و لا ضرار*، فالأصل في تصرفات الانسان وحفظ حقوقه أنه لا يقع عليه ضرر ولا يصدر منه ضرر يلحق بالآخرين، وكذلك دفع الضرر الخاص والعام، وأما الحالات التي لا مناص فيها من ارتكاب ضرر أو وقوع مفسدة فإنه يصار إلى دفع أعظم الضررين وأشد المفسدتين بارتكاب الأخف والأدنى منهما، وبناء عليه ففي قضايا الشأن العام تتم رعاية المصالح الراجحة وتحمل الضرر الأخف لدفع ضرر عام أكبر أو لجلب مصلحة عامة تفويتها أشد من هذا الضرر، ومعلوم أن تفشي الوباء مما يؤدي الى زيادة الهلاك بين الناس، ولا يدفع بقدر الله الا بالسعي لإيجاد علاج أو لقاح يحد من انتشاره ويوقف استمرار إهلاكه لمن يصاب به. - وإذا كان من الواجب ايجاد علاج للأمراض ولاسيما المهلكة، ولا يتم ذلك الا بتجربته على عينة قبل اعمام استعماله فيصبح هذا الأمر واجبا؛ لأن ما لا يتم الواجب الا به فهو واجب. والله أعلم وأحكم.
*أخرجه ابو داود الترمذي قال حسن صحيح.
* أخرجه ابو داود والنسائي والترمذي وحسنه.
*رواه ابن ماجه.
- الموضوع الفقهي
- التجارب
- عدد القراء
- 189